الســــــلام عليكــــم ورحمــــة الله وبركاته
منذ أن بادر الرئيس السادات إلى إنشاء الأحزاب السياسية عام ١٩٧٧ وحتى
الآن ونحن نعيــش نــوعاً مــن الديمقراطية «المغشوشة»، تشبه إلى حد كبير
الشاى المخلوط بـ«النشارة». ليس له من هذا المشروب إلا المظهر (اللون
الداكن)، لكنه بلا طعم ولا نكهة. وتعاطيه يفسد الذوق ولا يعدل «المزاج».
وهكذا الديمقراطية التى تدعى السلطة السياسية أنها منحتها لنا. فهى تجتهد
فى إفساد الذوق وإضفاء حالة من التوتر على المزاج العام، ولا تؤدى إلى
توظيف مفهوم حرية التعبير من أجل خلق رأى عام ناضج، بل تجعل الناس يرفعون
شعار «نيام.. نيام»!، لأنها ببساطة ديمقراطية مخلوطة بـ«نشارة الإعلام».
فالديمقراطيــة فى مصر محلها الإعلام، يشهد على ذلك - على سبيل المثال -
أن البرامج الحوارية «التوك شو» استطاعت أن ترث الأحزاب السياسية « معدومة
العافية» فى اللعب فى أدمغة أفراد الجمهور. وأصبح لدينا عدد من الأحزاب
الإعلامية التى تستقطب آلافاً من الأشخاص الذين يتحلقون حول «منى أو معتز
أو عمرو أو محمود سعد»، لتلتهم آذانهم الانتقادات اليومية اللاذعة التى
توجه إلى هذا المسؤول أو ذاك، ولتستريح ضمائرهم بالمشاركة فى الاستماع إلى
عواء المصريين الذين يئنون تحت وطأة أزماتهم المعيشية ويشتكون من ظلم
السلطة لهم.
والحكومة مبسوطة بهذا الوضع أشد الانبساط، فهى تقبل أن تسب وتلعن ليل نهار
من ملايين البشر عبر وسائل الإعلام، لكنها ترفض بمنتهى العنف تجمع عشرة
أفراد فى الشارع من أجل المناداة بحقوقهم.
فللمواطن أن ينفس عن نفسه عبر الحديث أو الاستماع إلى الكلام الذى يروى
غليله من الحكومة الظالمة، لكن الويل ثم الويل له إذا تحرك بشكل إيجابى
لكى يرفع الظلم عن نفسه. فالحكومة تؤمن بديمقراطية «الكلام والحديت»
و«اللت والعجن»، أما ديمقراطية التغيير «فبعيدة عن شنب الشعب». لذلك نجد
أن هناك هامش حرية تتحرك فيه الأحزاب الإعلامية، أما الأحزاب والقوى
السياسية فممسوكة من رقابها بطوق الطوارئ.
وليس معنى ذلك أن حكومتنا الراشدة الرشيدة تحقق مفهوم ديمقراطية الإعلام.
فهذا المفهوم يشتمل على ثلاثة شروط أساسية تتمثل فى: أن يصبح المواطن
شريكاً نشطاً وليس مجرد هدف للإعلام، وأن تتنوع الرسائل الإعلامية
المتبادلة، وأن تزداد مساهمة المواطنين فى وسائل الإعلام. والواضح أن
المواطنين الإعلاميين الذين ربّتهم الدولة على عينها منذ ميلاد أحزاب
السادات ثم مبارك هم مواطنون شديدو السلبية يستمتعون بـ«الفرجة» والمشاهدة
- من فوق السرير - أكثر مما يستمتعون بالمشاركة.
فملايين المصريين يحلمون بالتغيير، ولكن لأن حلمهم «مغشوش» فإنهم يأملون
فى يوم يستيقظون فيه على بيان تبثه أجهزة الإعلام يعلن عن القضاء على
الظلم والفساد الذى تعيشه البلاد. وسوف تجدهم - ساعتها - يهرولون إلى
شاشات التليفزيون لمتابعة ما يحدث فى الشارع. فالكثيرون يريدون التغيير
ولكن بشرط ألا يكونوا هناك (فى الشارع أو فى مواجهة المدافعين عن السلطة
القائمة والمؤدبين لمن يتمرد عليها).
تلك هى فلسفة التغيير فى ظل ديمقراطية الإعلام «المغشوشة»، إنها تعنى
مواجهة الأوضاع بنظام «خليك بالبيت»، «فالأنتخة» فى البيوت هى الشعار
المنطقى الذى يمكن أن يطرحه الإعلام القديم والجديد الهادف إلى التغيير!
ربما تكون السلطة قد أفلحت- عبـر توظيف أجهزة الإعلام - فى تحويل المواطن
إلى مجرد «مواطن سريرى» يحلم بالتغيير من منازلهم، أو فى أقصى تقدير يفضل
المشاركة بالفرجة والمشاهدة، لكنها تنسى- فى المقابل - أن المصريين لون
خاص من البشر، وأنهم لا يتأثرون كثيراً بما يرون بأم أعينهم، حتى ولو كان
ما يبصرونه هو المعجزات بعينها.
فالقرآن الكريم يذكر أن جدودنا التفوا فى حلقة كبيرة كى يشاهدوا الصراع
بين نبى الله موسى وسحرة فرعون، وشاهدوا المعجزة التى أتى بها موسى حين
ألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين يلتقم حبال وعصى السحرة، وآمن السحرة أمام
الجميع، لكن أحداً من الجمع لم يؤمن !.
تلك الصورة تكشف عن حالة الزيف الديمقراطى التى نعيشها عندما ارتدت
السياسة « قميص نوم» الإعلام لتدفع شعباً بأكمله إلى استرخاء المشاهدة
بعيداً عن عنت المشاركة فى تغيير الأوضاع. وأن إعلام غرف النوم - مهما
كانت جرأته - لن يفلح فى تغيير الواقع.. فلا أمل فى التغيير إلا بالقفز من
فوق السرير!